يقول: (وكان
معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه يقول لرجل: [
اجلس بنا نؤمن ساعة ])، وهذا الأثر علقه
البخاري رضي الله عنه في
الصحيح، قال: (ومثله عن
عبد الله بن رواحة رضي الله تعالى عنه) في غير
البخاري يقول: [
اجلس بنا نؤمن ساعة ]، وفي رواية
ابن أبي شيبة قال: كان
معاذ يقول للرجل من إخوانه: [
اجلس بنا فلنؤمن ساعة، فيذكران الله ويحمدانه]، ومن العجيب -وما أكثر العجائب في حالنا، وضعفنا، وعجزنا، في هذا الزمن- أنا نحتاج أن نذكر بالثناء على الله، وبعظمة الله.فكانوا يجلسون يحمدون الله، ويثنون عليه عز وجل، وأما نحن فإنا إذا أثنينا نثني في الإذاعة، وفي الصحافة، وفي التلفاز، وفي مجالس الناس، وفي كل شيء؛ نثني ونمجد الدنيا وأهلها؛ فإن كان العبد أعلى من ذلك فقد يثني على أناس صالحين من البشر، وأما الثناء على الله عز وجل بمحامده، وبيان عظمته فإنها تكون متأخرة إن لم تكن مهملة منسية! فهل هذا حال المؤمنين الصادقين؟! لا، فالصحابة رضي الله تعالى عنهم لم يكونوا يجلسون ويتحدثون في ذلك، ولا يخطب الخطيب على المنبر في الثناء على
عمر رضي الله تعالى عنه، وهو أمير المؤمنين الذي فتح بلاد كسرى وقيصر، وهو أهل للثناء، وأهل لأن يقتدى به، لكن المقصود أعظم، فكانوا يثنون على الله عز وجل، ثم يثنون على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم من دونه؛ لأن
الخير كل الخير إنما جاءنا من الله، ومن طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن الذي يستحق الثناء أكثر من الله، ثم رسوله؟! لا أحد أبداً. والناس الآن لما ضعفت عندهم عظمة الله؛ هان عليهم أن يعصوا الله)، ولما عظم عندهم من يثني عليه عظم عندهم؛ فالناس الآن يخافون من أمريكا، ومن الدول الكبرى العظمى ذات القنابل النووية، والصواريخ عابرات القارات، وبعض الموظفين أكثر ما يعظم: المدير، أو الرئيس، وأكثر ما يخاف من المدير؛ لأنه في حدود عمله أكبر قوة يراها مسيطرة على حياته هي هذه، فالمدير، أو الرئيس، أو القائد إن كان عسكرياً، فكل ذهنه وقلبه قد سيطر عليه هذا، فهو مستعد أن يعصي الله بأي معصية؛ ليرضي هذا القائد، أو الرئيس، أو المدير، وما أشبه ذلك؛ لأن عظمة الله في قلبه مفقودة أو ضعيفة، فهو إذا جلس مع أحد يكون ثناؤه وتعظيمه لهؤلاء.ولو أن المجالس وكل وسيلة إعلامية يكون التعظيم فيها لله، والثناء على الله، والذكر لله تبارك وتعالى؛ لقدروا الله حق قدره، وإذا قدروه حق قدره لم يعصوه، وكيف يقدم على معصيته من عرفه؟! فأكثر الناس يعصونه عن جهل به، فلذلك جعل الله سبحانه وتعالى صفة الجهالة لازمة لكل من عصى الله عز وجل، وليس المراد الجهل بالحكم أنه حلال أو حرام، وإنما المراد الجهل بالله عز وجل، ولذلك سمى الذين لم يعرفوا الله، ولم يدينوا بدين الله؛ أهل الجاهلية، فأعظم جهل عند أهل الجاهلية هو جهلهم بالله، فهم لم يعرفوا الله تعالى حق معرفته، فهم يقولون: هو الخالق والرازق فقط، ويجعلون له البنات، ويجعلون له ابناً، ويجعلون للأصنام منزلة وقيمة، أو يجعلون ما يعبدون من دون الله شفعاء عنده، ويجعلون له شريكاً ونداً، ويحلفون بغيره، ويذهبون إلى الكهان وأمثالهم .. وهكذا، فكل هذا الشرك هو نتيجة أنهم لم يعرفوا الله، ولم يقدروه حق قدره، والذين كفروا بآيات الله وكذبوا رسله لم يعرفوا الله، ولم يقدروا الله تعالى حق قدره. والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.